نشرت في:
نشرت بواسطت kamachin
من الأعلام
تعتز الأسرة التعليمية بمدينة القصر الكبير بوجود حفيدة القاضي أبو لحية ،أو الفقيه الريفي ،،،إنها الأستاذة بولحية ربيعة كما يحلو لنا مناداتها و( سعاد ) كما تسعد هي بمناداتها ، إنها إحدى الأطر التعليمية التي حلت بمدينة القصر الكبير منذ مدة أبانت من خلالها عن حسن الخصال وجميل المواقف المستمدة من محتد يحق لها أن تفخر به، ويحق لنا أن نحتضنها بيننا كابنة بارة معطاءة الخصال ، وقيمة مضافة للأسرة التعليمية .
محمد كماشين
بقلم الأستاذ عمر المعلم
رئيس جمعية ذاكرة الريف
هو محمد بن علي الوكيلي، المعروف ببولحية لوكيلي أو القاضي بولحية أو الفقيه الريفي، جده هو الوالي الصالح الشهير بجبل "ثسافت" بقبيلة أيث توزين، من موالد الخمسينيات من القرن 19 (أغلب الظن سنة 1857) بقرية غلبون بأيث توزين...
له ولدين (الأستاذ محمد لوكيلي الملقب بشاعر الريف الذي ولد سنة 1918 وتوفي سنة 1970 تاركا وراءه الكثير من الإبداعات الأدبية والقصائد الشعرية، والأستاذ عبد الوهاب لوكيلي الذي ولد سنة 1939 بمدينة أسفي واشتغل قيد حياته موظفا بالتعليم في كل من الدار البيضاء ووجدة والحسيمة، وانتقل إلى عفو الله سنة 1996)، وله 3 بنات (المرحومة فطمة التي كانت تعيش بزرهون ثم استقرت بمدينة الحسيمة حتى وافتها المنية سنة 2006، السيدة فطومة التي تعيش بزرهون، والسيدة رحمة التي تعيش في مكناس).
حفظ الفقيه لوكيلي القرآن بقبيلته ثم انتقل إلى مدينة فاس للاستزادة في العلم خاصة علوم الدين والشرع، كان فقيها وشاعرا وأديبا وخطيبا بارعا، اشتهر بدماثة الخلق وحسن التصرف، كما اشتهر بالعلم والصلاح والزهد والورع والجهاد في سبيل الله... فكان من الأوائل الذين نهضوا في وجه الاستعمار خلال القرن 20، حيث كان يجوب القرى والمداشر محرضا الناس على مواجهة الإسبان والدفاع عن الوطن والدين. حيث أهله انتماؤه إلى عائلة عالمة وتفننه في الخطابة وتمكنه من العلوم الدينية... إلى لعب أدوار طلائعية في تعبئة أهل الريف للجهاد وبذل النفس، فكان يدعو حيثما حل وارتحل إلى الوحدة ولم الصفوف وتجاوز الأحقاد والضغائن، وترك الخلافات الهامشية، والتكتل لمواجهة الإسبان الزاحفين.
كان من الذين حضروا أول اجتماع عقده المقاومون بإمزورن أواخر سنة 1920، والذي ترأسه الزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي، والذي أسفر على عدد من التعهدات نذكر منها:
1- أعاهد الله أن أدافع عن ديني ووطني وشرفي إلى الموت.
2- أعاهد الله أن ألتزم بتنفيذ الأحكام الشرعية، التي يأمر بها القرآن الكريم والسنة النبوية، ولن تأخذني في ذلك لومة لائم ولو كانت ضد أعز أقربائي.
3- أعاهد الله أن لا أثير الضغائن الدموية وأن الثأر موضوع بين عشائرنا من هذا اليوم، ولا ضغينة بعد اليوم.
وقبيل الانتهاء من الاجتماع تكلف السيد بولحية بقراءة تلك التعهدات وأدى جميع من حضر القسم على القرآن الكريم.
كما كان المجاهد لوكيلي ضمن بضع مئات من المقاومين الذين أقاموا رباطا في جبل القامة (أذرار نرقامث) بتركوت بقبيلة تمسامان في بداية سنة 1921، وذلك للحيلولة دون تقدم القوات الإسبانية التي كانت آنذاك تسيطر على أنوال... ولما تقدمت هاته القوات نحو أدهار أوبران وأقامت معسكرا فوق قمته، سارع المجاهدون إلى تحرير قمة أوبران، وكان بولحية أحد قادة هذا الهجوم الذي تم يوم 1 يونيو 1921 (الموافق ل 26 رمضان)، واستشهد خلال هاته المعركة الأولى من نوعها التي خاضتها المقاومة الريفية بعد وفاة القاضي السي عبد الكريم الخطابي والد الأمير أربعة مجاهدين، وتمكنت المقاومة من غنم 4 مدافع و350 بندقية والمئات من الخرطوشات وقتل العديد من الجنود والضباط الإسبان ...
ويحكى أن المجاهدين الذين كانوا صائمين، عندما وصلوا إلى قمة أوبران وحرروها، وجدوا هناك طعاما كان الإسبان قد شرعوا في تهييئه لوجبة الغذاء، وهنا أصدر الفقيه بولحية فتوى جواز الإفطار خلال ذلك اليوم العصيب والذي كان يوما حارا... وبعد هذا الانتصار سترتفع معنويات المجاهدين وينظم مقاتلون آخرون من قبائل متعددة، وستخوض المقاومة العشرات من المعارك، شارك الفقيه بولحية في أغلبها. ويشهد له الجميع بأنه كان كثير التحرك والتنقل بين مختلف المواقع وزيارة معظم القبائل لجلب الدعم للمقاومة... وقد أفلت بأعجوبة من كمين نصب له بمكان قرب أنوال.
ويذكر محمد أزرقان في "الظل الوريف في محاربة الريف" أن الفقيه بولحية ترأس اجتماعا بأجدير، لم يحضره الأمير وأفراد عائلته، وحضره أعيان "إمغارن" قبيلة أيث ورياغل وبعض القبائل المجاورة لها، خصص للتداول في اختيار قائد عام للمقاومة، وأسفر الاجتماع على مبايعة الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي زعيما للمقاومة الريفية، وعندما قبل الأمير بالأمر، ألقى الفقيه بولحية خطبة جاء فيها:
" ...لقد من الله علينا بنصر هذا الرجل الذي يعرف كيف يسوق سفينتنا التي هي في وسط بحر متلاطم الأمواج، ونحن في حيرة، وقد زالت الحيرة، وضمنت لنا النجاة من وحلتنا التي كنا فيها على خطر، ونرجو أن يكمل الله علينا بالوصول على يده لغاية المقصود، من انتشالنا من مصائد أعدائنا التي نصبت لنا في سائر المواقع. ولا شك أن الجهاد واجب علينا لهجوم العدو علينا في أرضنا، فنحن ندافع عن ديننا ووطننا بأداء حق مفترض علينا، ولا يمكن لنا القاعد عن هذا الواجب الذي تعين علينا. وعلينا أن نقوم بمدافعته، وكل واحد منا مخاطب فيه على قدر وسعه وطاقته، وما علينا الآن إلا أن نمتثل أمر من ألقينا زمام أمورنا بيده، لينظر فيها بنظره السديد، والله يؤيده وينصره..."
وبعد تشكيل حكومة الريف، عين الفقيه الوكيلي وزيرا للعدل، ويقال أنه كان الأكبر سنا بين الوزراء الذين تمت تسميتهم، وأسندت له مسؤولية تطبيق القضاء الشرعي في جميع مناطق الريف، وتمكن بفعل المواصفات التي كان يتميز بها من إدارة العدلية بتبصر وفعالية...
كما كان من المسؤولين الذين كان الأمير يستشيرهم قبل اتخاذ أي قرار يهم مستقبل الريف ومستقبل المقاومة الريفية... كما كان من القادة القلائل الذين كان يكلفهم الأمير بمهام محددة ودقيقة، فمثلا كلف للتفاوض مع المدعو عبد الرحمان الدرقاوي زعيم الزاوية الدرقاوية، لإقناعه بعدم التعرض للمجاهدين والكف عن تحريض أتباعه ضد المقاومة، لكن الدرقاوي رفض واستمر في إثارة المشاكل وقطع الطريق على المجاهدين، مما حذا بالفقيه بولحية إلى طلب الإمدادات، لتأديب الدرقاوي وأتباعه، الأمر الذي رفضه الأمير رغبة منه في التركيز على قتال الإسبان... كما رافق السي امحمد الخطابي وأزرقان والصديق بن الشادي... إلى أيث بوفراح للتفاوض مع أعيان بعض قبائل غمارة في شأن السلوكات المشينة التي صدرت عن بعض الغماريين والمتمثلة في احتجاز عدد من المجاهدين وتسليمهم للإسبان.
ظل بولحية وفيا لمبادئ المقاومة واستمر في القيام بمهامه بكل تفن وإخلاص، وعندما اضطر الأمير إلى الاستسلام للفرنسيين في ماي 1926، سلم بولحية نفسه هو الآخر للفرنسيين بتارجيست... الذين أجبروه على مغادرة الريف، ولقد استقر بعضا من الزمن بزرهون حيث كان له أقارب هناك ثم أجبر على الاستقرار بمدينة أسفي التي قضى فيها بقية حياته.
ورغم قساوة المنفى والبعد عن الأهل ورفاق المقاومة، فإن الفقيه بولحية ظل يتواصل مع الشباب والطلاب، كان يقصد بانتظام مقر الزاوية الناصرية، حيث كان يعلم الناس تعاليم الدين ويعرفهم بسير الصالحين، ويذكي فيهم الروح الوطنية، ويحرضهم على الذود عن الوطن والدين.
توفي رحمه الله سنة 1941 (عن سن يتجاوز الثمانين)، ودفن بمقر الزاوية الناصرية بمدينة أسفي ومازال قبره هناك، شأنه في ذلك شأن الكثير من قادة المقاومة، الذين فرض عليهم الفرنسيون مغادرة الريف والإقامة بالعديد من المدن المغربية ( الجديدة – أسفي – الصويرة..).
المصادر:
- منشورات جمعية ذاكرة الريف.
- معطيات استقيتها من الأستاذة سعاد بولحية نجلة شاعر الريف وحفيدة قاضي الريف.
- كتاب الظل الوريف في محاربة الريف.
- مقال للأستاذ عمر الصابري حول شاعر الريف نشر في العدد الأول من مجلة حوليات الريف.