نشرت في:
نشرت بواسطت kamachin
بعد فوز الأستاذ الأديب الميلودي الوريدي ابن القصر الكبير بجائزة دولية .... دراسة نقدية خاصّة بالنصوص الثلاثة الفائزة في مسابقة مهد الحضارات الأسبوعية للقصة القصيرة جدا والقصة الومضة
بعد فوز الأستاذ الأديب الميلودي الوريدي ابن القصر الكبير بجائزة دولية
....
دراسة نقدية
خاصّة بالنصوص الثلاثة الفائزة في مسابقة مهد الحضارات الأسبوعية للقصة القصيرة
جدا والقصة الومضة
· مرآةُ الحرفِ بينَ سريالية النّوم
وفجأة اليقظة د. أسماء غريب جامعة المعرفة (La Sapienza) روما
حينما اتّصلَ
بِي الأديبُ والمبدعُ العراقي فارس عودة من أجلِ تنسيقِ الترتيبات التمهيدية
المُتعلقة بالانطلاقة الأولى لمُسابقة مهد الحضارات الأسبوعية والخاصة بالقصة
القصيرة والقصة الومضة، لمْ أكُن أتوقّع أبدا أن تكونَ على هذا القدرِ العالي من
الدقّة والتنسيق والتكامُل والتآزر بينَ الإدارةِ وبقية أعضاءِ المسابقة وطاقمِها
الكامل المكتمل، ذلك أنّهُ وفي ظرفِ أيام قلائلَ جدّا تمّ تكوينُ لجنةٍ للتحكيم،
أعضاؤُها من خيرة نقّاد الأدب العربي الحديثِ وأكثرهم نشاطا وجديّة وأغزرِهم علما،
تمّ تقسيمُها في مرحلة ثانيةٍ إلى لجْنة مدققةٍ أولى تهتمُّ بالجانبِ اللغوي
والنحوي للنصوص المشاركةِ وأخرى تحكيميةٍ ثانية تهتمُّ بالناحية الأدبيّة
النقديّة. وعلى الفورِ، بدأت تصلُ من مناطقَ مختلفة من دولِ العالم العربي نصوصٌ
لم يكن لأيّ عضو من أعضاء اللجنتين أيَّ علم بأسماءِ أصحابها ولا بِمنحدرهِمُ الجغرافيّ،
إلى أنْ أصبحتِ النّصوصُ المشاركةُ تفوق اثني عشر نصّا، أشرفَ كلّ من الأساتذة:
نوال الجبوري، ونادية فهمي وأبو أنور الخفاجي على غربلتها وتدقيقهَا نحويّا ولمْ
يبقَ منها بعْدَ ذلك سوى ستة نصوصٍ هي مجموعُ ما تمّ عرضُه لاحقا على اللجنة
النقدية الثانية، والتي كانتْ لها الكلمةُ الفصل الأخيرة فأعلنتْ في يومه
16/09/2014 عنْ عناوين النصوصِ الثلاثةِ الفائزة ودرجاتِ التقييم الخاصّة بها
وأسماء كتاّبها الآتي جردهُم: 1) الأستاذ
القاص والناقد الميلودي الوريدي من (المغرب) عن نصه (اختبار) وقد جمع (86.75)؛ 2) الأستاذ
القاص محمود العشري من (مصر) عن نصه (مُنافق) وقد جمع (81.5)؛ 3) ثم الأستاذ القاص أحمد سعد من (مصر) عن نصه (باقة وَرْد) وقد جمع (80.75). 2) ما معنى ولماذا هذا الفوز؟
**********************************************
أيلولُ هو
شهر الفرحِ والتغيير، شهرُ البدر الأحمر المُكتمل، جاءَ وحمل معه بعضا من رياحِ
التجديد، ففيه الأرضُ تمنح للبشر أفضل ما ادخرته له من خيراتٍ، وفيه يستعيدُ
الإنسان توازنه البيولوجي ويُعيدُ حساباته، ويبدأ في السّيْر قدما نحوَ الأفضل
والأرقى، وهذا هُو ما أبانت عنهُ هذه المسابقة الأدبيةُ والثقافية أيضا، فبعدَ
شهور من القلقِ والحزنِ والتوتّر والألمِ الذي عاشتُه العديد من الدول العربية من
نِيلِها إلى فُراتِها جرّاءَ الأحداثِ التي قلبتْ موازينَ الرؤى الاقتصادية
والسياسيّة والجغرافية في مناطقِ الشرق الأوسطِ وباقي بُلدان العالم، عادَ
المُواطنُ العربي وكله وعيٌ بمدى ضرورة القيامِ بحراك فكريّ قوامُه الكلمة الهادفة
البنّاءة وسلاحهُ العلم والأدبُ التجديدي الملتزمُ الذي يهدف إلى زحزحة صَدَأ
الماضي وإرثِه المُتآكل الذي لم يجلب له سوى التخلفَ ولم يزجَّ بهِ سوى في متاهاتٍ
من الضياع واندثار الهوية والانتماء الإنسانِيّ الكوني، ولا يوجدُ دليل على ما
أقول أصدقَ من هذه النصوص الثلاثة التي فازت قبل يوميْن بالجوائز الأولى لمسابقةِ
مهد الحضارات الأسبوعية. كيف ذلك؟ هذا ما سأوضحه فيما يلي من السطور. 3) بين سريالية النوم وفجأة اليقظة **************************
ـ سيميوطيقا
العنوان في نصوص ((اختبار))، ((منافق)) و((باقة ورد)). --------------------------------------------------------------------------
تُعدُّ الفاتحةُ
العُنوانية لكل نصّ هُنا وفقا لمبادئ علم العنونة (La titrologie) (1) مركزا استراتيجيا مُهمّا وحاسماً شرعَ بابَ الولُوج إلى مقاربة
المعنى على مصراعيْه ويَسَّرَ عمليّة الوقوفِ على مكنوناتِ وكنوزِ هذه النصوص
الثلاثة (2). فـ "اختبار" كما "منافق" و"باقة ورد"
هي عناوينٌ تمثل جزءاً حيوياً من البُنى النّصيّة الداخلية والخارجيّة، ناهيك عن
أنّها مفتاح تأويلي يحكِي عن عالم مُكتظ بالعلامات والشفراتِ التي بدأت في التحوّل
سريعا إلى كائنات لغوية تدور حول بعضِها البعض مُثيرة كمّا هائلا من الدلالات
والقراءات الإيحائيّة (3). فجَاءتِ العناوين تارة بين المُفردة الواحدة كما هو
الحال في نصّ ((اختبار)) وتارة أخرى بين الصّفة والموصُوف كما هو الشأن بالنسبة
لنصّ ((منافق))، وتارة ثالثة بين مُضاف ومضاف إليه وهذا هو حال عنوان ((باقة ورد)). ولعل عنوان ((اختبار)) هو أكثر العناوين فعّالية وتأثيرا بين بقيّة العناوين
الأخرى وذلك للأسبابِ التالية: ـ الدقة
والتدبّر في الاختيار؛ ـ التكثيف مع الحرصِ على عُنصر ملاءمة الجنس الأدبي الخاص
بالقصّة القصيرة جدا والقصة الومضة؛ ـ ثم توافقُه التامّ والمتكامل مع النص، ولو
أن هذا العنصرَ الأخيرَ يتطلب من الباحث والناقد معاولَ بحثيّة خاصّة حتى يتمكّنَ
بموجبِها من الوصُول إلى هذه النتيجة لاسيما وأنّ الجواب عن سؤال "المَنْ
يَختبِرُ منْ؟" فِي النصّ يبقَى مُعلّقا بشكْلٍ أو بآخَرَ، ولعلّ هذا الأمر
يجدُ مبرره في علامات التنصيصِ التي ختم بهَا القاصّ الميلودي الوريدي قصتَه
كدلالة منهُ على مَفْتُوحيّة النهاية وأزليّة الإشكالية السوسيوسياسية والدينية المُعالجةِ
في هذا النص القصصي. أما عنوان ((منافق)) فقد استوفى هو
الآخر جميعَ الشروط التي جعلت منهُ عنوانا ناجحا بامتياز، ناهيكَ عن وظيفتهِ
التناصيّة الموافقة لفحوى النصّ والتي عالجَ عبْرَهَا الكاتب محمود العشري آفة
النفاق. وأخيرا يبقى عنوانُ ((باقة ورد))
للقاص أحمد سعد الأكثر إثارة للجدل والنقاش وذلك لتركيبتهِ المُضافيّة من جهة ومن
جهة أخرى لحمولتِه الرومانسية (5) التي تفتحُ الباب أمام العديد من التأويلات قبلَ
الدخول المُباشر للنصّ واكتشافِ أنّ باقة الورد المعنيّة بالأمر ماهيَ إلا ثلاثة
أرواحٍ نالت وسام الشّهادة وكللت بتاج الكرامَة: الصورة 01: سيميوطيقا العنوان بين المُرسِلِ والمُرْسَلِ إليْهِ ـ سريالية
النوم وفجأة اليقظة في ((اختبار))، ((منافق)) و((باقة ورد))
---------------------------------------------------------------------------- تقنية السخرية
المريرة هي منْ أهمّ العناصر الأسلوبية التي استخدمها الكاتبُ الميلودي الوريدي في
نصه ((اختبار))، فهو بعْدَ أن حدّد شخصيات النصّ الرئيسة ركّز جهدَه الفكري على
اقتناء الأفعال وتصنيفِ الأدوات الترقيمية وتحديدِ الفضاء الزمكاني كمسرحٍ تتحركُ
فوق خشبته كل الشخصيّات مما جعل من القارئِ والدّارسِ يشعرانِ معا بكلّ تحركاتِ
ونبضاتِ هذه الشخصياتِ كل على حدا وهو الأمر الذي يستدعِي الوقوف عند هذه العناصر
بشكل أكثر عمقا وتروّيا: الصورة 02:
شخصيّاتُ النّصّ بين ديناميّة الإرسالِ واستلابيّة التلقّي كما يبدو واضحا في
الرّسم أعلاه، فإن الحركة التواصليّة بين طرفي الشخصيّات خطيبا وجمهورا منعدمة
تماماً، ذلك أنّ الجمهورَ لا يدخل في أي نوع من أنواع الحركة التفاعليّة مع الطرف
الذي يأتيه منهُ الخطاب ولكنه يفضّل البقاء في دائرة الاستلابِ الصوتي والفعليّ
ولا أدل على ذلك من هذه الشبكة من الأفعال التي تدخلُ في حقل ما يسمى بالتناقض
الظّاهري (oxymore).ممّا أسهم في
خلق جوّ من الهزلية المريرة خاصّة في الجزء الأخير من النصّ: "اِنْتَعَلَ خُفَّيْهِ بِأَنَاةٍ ...مَسَحَ عَلَى
لِحْيَتِهِ ...سَارَ نَحْوَ حَافَةِ الْجَبَلِ، وَرَمَى بِجِسْمِهِ فِي
الْهَوَاءِ...سَارُوا عَلَى نَهْجِهِ ..." وهذا مردّهُ إلى اشتغال الكاتب على
عنصرِ إيقاع الأفعال الذي بدأ سريعَ الوتيرة بشكل حوّل الفضاءَ الداخلي للنصّ إلى
ساحةٍ أشبه بطاولة كرة ((البينغ بونغ)) تتراقصُ فيها وفوقها الكلماتُ والأفعال بشكل
سريع جدا، ثم فجأة وبدون سابق إنذار تخفُّ السرعة وترتفعُ في المقابل وتيرة حشو
القاموس اللغوي للنص بالمزيد من المصطلحاتِ، وهو أمر مقصود أراد به الكاتبُ أن
يحدّدَ مدى سريالية هذا النوم الذي يغطّ فيه كافة أعضاءِ المجتمع. أي أن هذا
الخطيبَ أعطى للجمهور أكثرَ من فرصة علّه يستيقظ فيها ويعيد النظر فيما قيل لهُ من
خطابات حُشيت في عقله حشوا: ـ انتعل خفيه
(6) ـ مسح على لحيته ـ سار نحو حافة الجبل ـ رمى بنفسه كلّ
هذا ولم يستيقظ أيّ فرد من أفراد هذا القطيع النائم بل المُنوّم بمغناطيسِ الكلمات
(7) وفي هذا الأمر، إدانة مباشرة من الكاتب لهذا القطيع، باعتباره المسؤول الوحيد
عن الهاوية التي يوجد فيها الآن، فلا يمكن لأيّ غسيل دماغ إيديولوجي كيفما كان
نوعه أن يحدث إذا لم يجد أصحابُ هذه الإيديولوجيات من يسمح لهم بذلك: الصورة 03: نظرية لعبة البينغ ـ البونغ المشلولة وختاما وليس أخيرا هناكَ نقطة
أخرى تُحسب لقصة((اختبار)) وهي التي ساهمتْ بشكل كبير في نجاحهِ أو فوزه، وأعني
بها اللباقة في استخدام الأسلوب الإيحائي بحيثُ تقول المصطلحات كل شيء دون أن
تبالغَ في اقتحام خلوة المتلقي بعباراتٍ شديدة المباشَرة فالكاتبُ بدل أن يعلن عن
موقفه النقدي والانتقادي تجاهَ السلطة الدينية فإنه يتركُ ذلك لنباهة وذكاء المتلقي
مكتفيا بإعطائه المفاتيح الضرورية لتشفير هذه الحقيقة: ((انتعل خُفيه/ مسح على
لحيته)). النصّ الثاني وأقصد بهِ ((منافق))
يصبّ في نفس اتجاه النصّ الأول وليس هذا فحسب فهو يكمّله، فإذا كان العقلُ الجماعي
العربيّ في النص الأولُ يغطّ في نوم عميق فإنه في النص الثاني وإن كان مُجسّدا
بشخصيّة واحدة يعلنُ فجأة استيقاظَه من داء نوم الروح الذي يُعدّ النفاقُ والكذب
والخداعُ من أبرزِ مظاهره. وما من فراغ تصبحُ المرآة في نصّ ((منافق)) هي من أهم
العناصر التي تدلُّ على حدوث فعل اليقظة، لأنها تضعُ اللاوعي العربي أمام نفسهِ وتواجهه
بآفاته وعيوبهِ. وفي الختام يأتي نصّ ((باقة ورد))
كنسمة فجرٍ عليل ليضمّد جراح هذه الروح التي استيقظتْ حديثا وتعطيها درسا عميقا
مفادُه أن الناسَ في هذه الدنيا نيام إذا همْ ماتوا استيقظوا، لأنهم يُكَللُون
هناكَ بتاج الشهادة التي لا تعني فقط الموتَ دفاعا عن الأرض في ساحة الوغَى ولكن
الموتَ أيضا عبْر العمل والالتزام اليوميّ في كل مجالات الحياة الدنيا، كلّ فرد
على حسب طاقته ومجهودهِ علّه يصبحُ ذات يوم هوَ الآخر أضمومةً من الورودِ تزين
هناك جنانَ أرض الإنسان الأخرى؛ أرضَه الساهرة وحديقةَ أعماله وأفعاله الطيبة الخالدة. عجيبٌ إذن أن يوفَّق طاقمُ هذهِ المسابقة كُتّابا مشاركينَ وحُكّاما وإدارةً
في التوصّلِ بشكل عفويّ وبدون أدنى سبق إصرارٍ أو ترصّد إلى إعطاء درجاتِ الامتياز
لنصوص جمعتْها قضيّةٌ وهمّ واحدٌ، وهو الأمر الذي كشفَ ليس فقط عن عُمق وعْي
المثقفِ المعاصر على اختلاف انتماءاته اللغوية والدينية والعرقية بالخطرِ الذي
يحاصرهُ ويحدق به والمتجسّد في آفةِ التعصّب والتحجّر الدينيين، ولكنْ عنْ إصراره
على تحقيقِ صحوة فكرية إنسانية كونيةٍ جادّة تتآزر فيها كلُّ الجهود والطاقات من
أجل محاولة تصحيح أخطاء الماضي البعيدةِ والقريبة ثم المضيّ قدما بالبشرية نحو فكر
يؤمنُ بمدى أهمّية الأمنِ والأمانِ والسلام العالميّ.
الهوامش: (1) Josep
Besa Camprubi, Les fonctions du titre, nouveaux actes sémiotiques N° 82,
Pulmin, Université de Limoges, 2002, p. 07. (2) أرسطو
طاليس، الخطابة، تحقيق وتعليق عبد الرحمن البدوي، دار القلم، وكالة المطبوعات،
بيروت، الكويت، 1979. ص. 130.
(3) محمود عبد الوهاب، ثريا النص، مدخل لدراسة العنوان
القصصي، الموسوعة الصغيرة (396)، دار الشؤون الثقافية العامة، ط1، بغداد، 1995، ص،
17. (4) انظر نصّ ((اختبار))
(5) Seymour Chatman, Umberto Eco, Jean-Marie Klinkenberg, A Semiotic Landscape
– Panorama Sémiotique. The Hague, Mouton, 1979. (6) انظر
كلمة (أناة) (7) انظر نقاط التنصيص.