Headlines
نشرت في:
نشرت بواسطت kamachin

ابداع : السلام عليكم :



ابداع :

السلام عليكم :


بقلم ابو الخير الناصيري 

في26 من يونيو2005م وقفت وحيدا في مركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية بأصيلا أنتظر ابتداء الحفل التكريمي المنظم من لدن خمس جمعيات من أصيلة والقصر الكبير احتفاء بالمجاهد الهاشمي الطود. كانت الجمعيات المنظمة قد أعدت فطورا للحاضرين، فقصدت طاولة في مقهى المركز وجلست، وفوجئت بعد لحظات بشخص يقتحم علي وحدتي:

- السلام عليكم.

- وعليكم السلام.

- هل تذكرني؟.

- نعم، أنت مدير المدرسة الابتدائية التي دَرَسْتُ بها.

- أنت الآن في الرشيدية.

- نعم.

- نحن نتتبع خطواتك، ستغلف معي هذه المجموعة من الكتب.

- بكل سرور.

كان السيد المدير سابقا ممسكا ببعض الكتب التي يريد تقديمها هدية للمحتفى به، فناولني إياها مع ورق منمق وانصرف.. لأشرع في تغليفها والتأمل في سلوك هذا المدير الذي طالما أشاح بوجهه عني في مقاهي المدينة وشوارعها، ثم أقبل علي مسلما سلام مصلحة نسخته الإشاحة عني ابتداء من مساء اليوم الموالي.

وفي يوم من الأيام كنت أتجول في دروب المدينة القديمة لأصيلا، وعندما اقتربت من أحد( البازارات) فوجئت بصاحب (البازار) يناديني باسمي، ويقبل علي مسلما وسائلا عن الصحة والأحوال. كان غريبا بالنسبة إلي أن يناديني في ذلك اليوم وقد طالما مررت بجواره دون أن تكون بيننا تحية أو سلام، فلقد انقطع السلام بيننا منذ انقطاعي عن العمل في (البازارات) مع تولي أيام الصبا.. لكن دهشتي زالت عندما طلب إلي أن أحرس له محله التجاري إلى أن يؤدي صلاة العشاء ويعود.. وجلست في باب البازارمفكرا في سلوك هذا التاجر، وصلاته، وعبادته.. واعتبرت سلامه ذاك سلام مصلحة لا غير. وقد أكدت لي الأيام الموالية ذالك، إذ مررت بعدئذ مرات كثيرة بجواره، و كان في كل مرة، كالمدير السابق، ينظر إلي ثم يشيح بوجهه عني كأنه لا يراني.

ولو أني أردت أن أسترسل في ذكر حالات مشابهة لاحتجت إلى صفحات كثيرة، ولكنني قرأت ما أثبت لي تخلف هؤلاء الناس، وعدم فهمهم هذه التحية التي إذا ما فاهوا بها فإنها لا تجاوز حناجرهم، ولا تصدر عن فهم لدلالاتها.. فلقد ذكر الكاتب المصري أنيس منصور في كتابهأوراق على شجر” أنه مدين بحياته للص ذي أخلاق. يقول: ” كان ذلك قبل أن أولد وكان أبي يعمل مأمورا لتفاتيش عدلي باشا يكن في الصعيد، وفي إحدى الليالي جمع والدي الإيراد واتجه على ظهر حصان ومن حوله الخفراء إلى محطة السكة الحديد. ولم يكن ذلك سرا. فقد عرف اللصوص ذلك. وتواروا في حقول القصب، ويقول والدي رحمه الله: إنه لسبب ما نظر إلى اليمين فوجد أحد اللصوص قابعا وراء حجر، وقال له: السلام عليكم.. فما كان من اللص إلا أن رد التحية قائلا: وعليكم السلام.

ويقال إن” أخلاق” اللصوص أن الذي يعطي الأمان والسلام لأحد يجب ألا يخونه.. ألا يقتله، واللصوص جميعا يلتزمون بهذه الأخلاقيات. ولم يشأ اللصوص أن يطلقوا النار على والدي. أما اللص نفسه فقد قتلوه لأنه أضاع مائة ألف جنيه ” (ص274).

فانظر إلى هؤلاء اللصوص الذين كانوا أقدر منا على فهم هذه التحية وفهم ردها، بل انظر إلى تأثيرها، وتأثير ردها، في تصرفاتهم وأفعالهم حيث ألزمتهم عدم قتل والد الكاتب. ثم قارن حالهم تلك بحالنا نحن الذين ندعي أننا وصلنا مستويات عليا في الفهم والإدراك والعلم، حتى لقد صار بعض منا يعد هذه التحية رجعية تقليدية تَفضُلُها تحايا أخرى مبتكرة هي وليدة العصر، وصار قوم آخرون لا يحركون بها ألسنتهم إلا لتحقيق مصالحهم و أغراضهم، وقوم يعدونها تحية مرادفة للآلام والأحزان كما هو الحال بالنسبة لذاك الشيخ الذي كان المقعد المجاور له في الحافلة شاغرا، فلما أتى شاب ليجلس بجواره حياه قائلا: “السلام عليكم” ، ولما لم يرد الشيخ على التحية وبخه الشاب قائلا: لقد قلت لك السلام عليكم. فقال الشيخ بنبرة متعالمة “السلام بداية الكلام، والكلام يؤدي إلى الآلام”، فاعتبر السلام مؤديا إلى الآلام والأحزان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

- قال عابر سبيل: ليتني كنت لصا في زمن والد أنيس منصور أرد السلام وأفهم معناه.

نبذة عن الكاتب

نشرت بواسطة kamachin على الثلاثاء, سبتمبر 13, 2011. تحت سمات . يمكنك متابعة الردود على هذا الموضوع من خلال الدخول RSS 2.0. لا تتردد في ترك ردا على

By kamachin on الثلاثاء, سبتمبر 13, 2011. تحت وسم . تابع اخبارنا على RSS 2.0. اترك رد على الموضوع

0 التعليقات for "ابداع : السلام عليكم :"

اترك الرد