نشرت في:
نشرت بواسطت kamachin
متابعة ثقافية :
متابعة ثقافية :
في إصداره الأول
" لن أطيع الشمس"
أنس الفيلالي
أنس الفيلالي
صدر للشاعر المغربي أيوب مليجي حديثا عن منشورات ملتقى الفن، وفي حلة أنيقة ، مجموعته الشعرية الأولى الموسومة ب" لن أطيع الشمس ".
يقع العمل الشعري في 62 صفحة، ويضم 20 نصا شعريا، يتسم بغلافه المزخرف بلوحة تشكيلية للفنان التشكيلي و الشاعر فؤاد شردودي، والتي تعرض عالما تتعدد فيه الألوان بين الأسود والأبيض إلى ألوان أخرى شديدة التفصيل والدقة، كما تتداخل فيه أشكال الأشياء والكائنات لتولد في النهاية صورة قاتمة عن واقع شديد الغموض والإبهام، هو أشبه ما يكون بواقع الحياة في سديميتها القصوى التي تستعصي على التصنيف والفهم.
و قد خص الشاعر المغربي رشيد الخديري هذه المجموعة الشعرية بمقدمة رصد فيها معالم "لن أطيع الشمس"، و كيفية الكتابة عن صاحب هذه المجموعة ، بقوله : " فهذا الليل الساكن، الحالم يرتقي بشاعرنا المبدع بذاته القلقة.. النزقة.. بأحلامه الطفولية إلى سقوف السماء.. أو سقف المجاز.. فهو يجري حوارا افتراضيا، مليئا بالكثير من الأبجديات..."
كما نجد على ظهر الغلاف كلمة للقاصة و الفنانة التشكيلية زهرة زيراوي التي قدمت كلمة باسم منشورات ملتقى الفن .
و لعل العنوان الذي اختاره أيوب مليجي، المليئ بالأسئلة والاستفهامات الصامتة، يسعفنا في الولوج إلى سراديب الفضاء الشعري، الطافح بالرغبة في التمرد على كل ما هو عادي، ويمثل رمزا للتقاليد الجمالية السائدة، حتى إن هذا النزوح الرفضوي يصل بالشاعر إلى الخروج عن ناموس الطبيعة، والتمرد على الشمس نفسها، هاته الشمس المانحة للحياة، التي يتوقف عليها وجود واستمرار الكائنات، إلا أن الشاعر يأبى مسايرتها ومطاوعتها، إنه بلا شك يحمل معه صوتا غير ذلك الصوت المكتفي بالتغني بجمال الأشياء كما هي في الحياة اليومية، إنه صوت القلق الذي يصل به الأمر إلى رفض الضوء، وكل ما تمثله الشمس، إنه صوت الحنين للموت وتفضيله على واقع يزخر بالأموات الأحياء. كما تجلى ذلك واضحا في قصيدته "سمفونية الموت".
إن هذا الاندفاع المتعطش للصمت، بعيدا عن ضجر الحياة وحساباتها، يشكل معادلة تحكم الأفق الشعري للمجموعة الشعرية بأكملها، فمثلا في قصيدته " سفر إلى الصمت" نجد الديباجة التالية :" الصمت.. تلك الحكمة التي تسكن العالم"، ثم نقرأ :
" تبحث عن وجهك المدفون
جهة الشمس
حين يمتد بك الأسى
وأنت تحاول من حين
لآخر أن تعزف أغنية الفجر....."
كما يتساءل الشاعر في نفس القصيدة: ماذا لو لم تعد الشمس بعد المغيب؟؟ فهذا الهوس والافتتان بالنهايات وبالسكون المطلق هو الذي يدفع الشاعر إلى القول: "وليكن الصمت ملاذي الأخير".
يسافر بنا أيوب مليجي من خلال تراتيله وإيقاعاته التي تميزت في كل حالات المجموعة بقوة انسيابها وسكونها وصمتها إلى الارتواء و الألق والضياع في آن، ليؤكد ذلك مباشرة في قصيدته "سفر إلى الصمت":
" ها أنا أقف أمامك
يا أورفيوس...
أحاول أن أستكين بالحرف
إلى حيث العزلة
إلى حيث الأحياء يبعثون
سأضيع اليوم
وحشتي فيك
أيتها البلادة
وليكن الصمت ملاذي الأخير "
إن مجموعة" لن أطيع الشمس" فإن اتسمت ببساطة أسلوبها الصعب، وعلى الجمل البلاغية القصيرة المفتوحة على التأويل، فقد تركت بصمتها الغنائية والدرامية في كثير من عناوين المجموعة، "بياض" "همسات" "إرهاصات"... التي تترجم وعي الشاعر بقيمة السؤال والإنصات للذات عبر المتخيلات البلاغية الممزوجة برغبة تحويل هذا الشنق الاستفهامي لمنجز شعري له بصماته الفنية والجمالية الخاصة.
ويمكن القول أن المجموعة الشعرية الأولى لأيوب مليجي " لن أطيع الشمس"، التي اتسمت بصورها السكونية، وصيغها البلاغية والأسلوبية في إطار بوحه المعلن بين خلايا النصوص، هي مرايا إنصاته العميق للذات والآخر عبر القصيدة التي تشكلت أساسا من الصور الشعرية التي افتتن الشاعر بمراودتها في نصوصه، كما افتتن بخلق جو موسيقي جعل منه الخيط الأساس للمجموعة، كما هو الحال لقصيدة "ملامح" المهداة لمحمد سعيد الريحاني، أو في قصيدة "أبجديات العشق" المهداة لزهرة زيراوي .
إن المجموعة الشعرية، بطريقة كتابتها الرصينة، ومن خلال أعماقه الكامنة في سكونه وسؤاله المتعدد الإشكالات و الإستفهامات إلى ما هو الذات والآخر كما أسلفت ، هي مجموعة جامحة تنفتح على كل الرؤى الإنسانية حيث يتقاطع ويتماثل فيها الواقعي بالذاتي، والآخر بالأخر، والمجازي بالأسطوري والبلاغي ، وأيضا بالتخييل الذي برع في ترويضه صاحب هذا العمل الشعري الذي يستحق كل المتابعة و القراءات النقدية التي ستزيد حتما من وسامته، في الساحة الشعرية المغربية و العربية.